يتأمل المؤمنون كتاب الله باحثين عن سبب خلق الله للإنسان , والرسالة التى ينبغى على كل مخلوق أن يتحملها فيجدون آيات ثلاث يبرزون حقيقة هذه الرسالة
ذلك أنهم تساءلوا لماذا خلقنا الله تعالى ؟
فيجدون الآية الأولى تحدد معالم الطريق بدقة واضحة وحسم صريح
يقول فيها رب العزة : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "
فيعلمون مراد الله الأسمى من خلقهم , ويتحولون من ذل العبودية والخضوع للبشر والطواغيت والأهواء إلى عز العبودية لله وحده , فتطمئن قلوبهم ويعلمون أنهم يأوون إلى ركن شديد .
فيصبح الله وحده هو غايتهم , ورضاه هدفهم , وطاعته أملهم ....
هنا تصبح الدنيا بأكملها بحلوها ومرها
بمحاسنها ومساوئها , بكل ما فيها من أفراح أو أتراح كما هى عند الله سبحانه " لا تساوى جناح بعوضة "
ثم يتلون الكتاب فيجدون رب الأرباب يخبرهم عن سبب من أهم الأسباب لخلق الله لنا فيمرون على قوله تعالى :
" وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة "
فيتوقفون عند كلمة خليفة , متأملين سائلين " لماذا جاءت كلمة خليفة عند إعلام الله لملائكته بأنه سيخلق كائنا هو بنى البشر
فيصل التدبر بهم لمعلومة تفيد بأن هذا يعنى أن هذا هو الدور الأبرز الذى سيقومون به فى هذه الدنيا
خليفة .... حيث يخلف بعضهم بعضا
أجيال تسلم الراية لأجيال
أجيال تعلم أجيالا
أجيال تقدم كل ما ابتكرته لخدمة البشرية للأجيال التى تليها لتنتفع بها
فيفهمون هذا المعنى متضمنا فى الآية الأولى ويتحققون من أن مراد الله تعالى أن تكون هذه الخلافة متحققة فيها العبودية بكل معانيها
فلا يعمل شيئا ولا يعلم شيئا ولا يبتكر شيئا ولا ينجز شيئا ولا يخدم هذه البشرية إلا وهو واضع نصب عينيه أن هذا ما خلقنا الله من أجله , والعبودية الحقيقية الكاملة تقتضى عمل كل ما ينفع لنا وللناس من حولنا فيصبح مدلول " إلا ليعبدون " أكثر عمقا بحيث يجعل كل حركة وكل سكنة , وكل فكرة يفكرها الإنسان بهدف إرضاء الله عز وجل .
وعندما يقرأون الآية الثالثة يرون نبى الله صالح يقول لقومه ثمود عن رب العزة :
" هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها "
فيدكون تماما أن الله خلقنا وأمرنا أن نعمر هذه الأرض التى خلقنا منها , وأن هذا هو السبيل الأسمى لعبادة رب العباد .
ثم تمر بهم لحظات سعادة فيحمدون الله على نعمته
ثم تمر بهم أوقات عصيبة وأحوال مريرة فيعلمون أن هذا هو مراد الله الذى يختبرهم ليرى إن كانوا سيصبرون على ما ابتلاهم الله به أم أنهم سيجزعون وينزقون ويشتكون أحوالهم لعباد مثلهم , دون اللجوء له سبحانه .
ولأن غايتهم ثابته , ومعالم الطريق بارزة , ورسالتهم فى هذه الحياة محددة فإنهم لا يبالون بتلك المصائب ولا هذه الكوارث
فالله معهم , ناظرهم , مطلع عليهم , يعلم حالهم ولكنه ينتظرهم أن يلجأوا له وحده
لا أن يلجأوا لغيره مهما كانت قوته
فيهرعون للصلاة , ويذكرون الله , ويعملون لإرضاء الله , ويذاكر الطالب منهم متيقنا أن هذا هو أفضل الطرق لإرضاء الله فهو ما يحقق مراد الله من خلافة البشر , واستعماره لهم فيها ,
ويجتهد العامل فى عمله ليحقق معنى الخلافة , ويجد الأب ليكسب لقمة العيش الحلال فيطعم أبناءه وزوجه ويتحقق مراد الله من خلق الخلق .
وجميعهم والحال هذا يدركون بلا ريبة أن لحظات يلجأون فيها إلى الله بصدق كفيلة بحل كل مشكلاتهم .
لذا جعل الله تعالى أشد عباده ابتلاء بالمحن والمصائب هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل
فلا يظن ظان أن الابتلاء عقاب , بل هو تمحيص وتخليص
فليصبر من عنده مصاب , فالصبر ضياء , وليلجأ لربه وحبيبه فهو الرجاء .